حصار تعز ..قصص ترويها المعاناة

قناة اليمن | تعز

في رحلته لرصد قصص انسانية لمعاناة أبطالها مدنيون عزل من سكان مدينة تعز، يستعرض منها قصة صاحب شاحنة تم قنصه وهو عابر سبيله على خط جبل صبر، بالإضافة لمشهد مؤلم آخر، لطفلة نازحة ” “تجلب الماء في إحدى الأزقة بالمدينة، تسكن مع عائلتها في إحدى دور الصفيح التي لا تصلح للسكن الآدمي، يعيش فيها أب وزوجته و8 من أبنائه

يقول المصور انس الحاج “كنت ذات يوم في جبهة الدفاع الجوي بتعز، أبحث عن أسر تعيش في خطوط النار، فوصلت طفلة في الخامسة من عمرها إلى أحد المستشفيات وقد فارقت الحياة نتيجة قنص تعرضت له من قبل الميليشيات الحوثية المتمركزة على تباب السلال”

وتابع “لم أستطع الحديث مع والد الطفلة الذي كان قلبه مفطوراً من الحزن والقهر لفراق وحيدته، وعندما تواصلت معهم بعد أيام لأزور المكان الذي تعرضت فيه الطفلة غفران للقنص، ذهبنا إلى منطقة النجد بمديرية صالة شرق المدينة التي تمر عبرها أنفاق طويلة، وبجانب الطريق متاريس إسمنتية، حدثني والد غفران فقال إن طفلته التي رحلت ظل 7 سنوات ينتظر وصولها، لأن زوجته لم تعد تنجب، ثم حملت في أول سنة حرب لتأخذها رصاصة قناص بعد 4 سنوات من مجيئها لهذا العالم.

قنص الحياة

كشف تقرير حقوقي يمني، عن سقوط أكثر من 17326 مدنيا بين قتيل وجريح في محافظة تعز، على يد ميليشيا الحوثي الانقلابية، خلال الفترة من مارس 2015 وحتى نهاية 2020م، بينهم 3916 طفلا و1527 امرأة و1053 مسنا.

وأوضح التقرير الصادر عن مركز تعز الحقوقي، أن الأرقام والإحصائيات الموثقة تشير إلى أن 3590 مدنيا بينهم 761 طفلا و347 امرأة و289 مسنا قتلوا، وأصيب 13736 آخرون بينهم 3155 طفلا و1180 امرأة و764 مسنا جراء أعمال القصف والقنص التي نفذتها ميليشيا الحوثي خلال ست سنوات من حربها على تعز.

في أجزاء من تعز، المدينة الواقعة جنوب غربي اليمن الذي مزقه الحرب، يتربص القناصة بالشوارع والأماكن المفتوحة. ويقول المدنيون هناك إن الرصاص يأتي من حيث لا يدرون وبدون تحذير.

يقول قيس الرمادي إنه كان دائم الإدراك بالخطر المحدق. فقد اعتاد التنقل بين المنازل والاحتماء بالجدارن خلال تنقلاته مع أطفاله في أرجاء المدينة.

إلا أنه عندما سمع الطلقة التي قتلت ابنه الأسبوع الماضي، كان الأوان قد فات. فالرصاصة اخترقت ظهر محمد البالغ من العمر ست سنوات وخرجت من صدره.

داوود الوهباني (22 عاماً) وهو طالب صحافة من مدينة تعز كان يسجل تقريراً لشبكة تعز الإخبارية – التي يديرها هواة – عندما قتلت عبوة ناسفة أحد زملائه المراسلين وأقرب أصدقائه, وكان داوود وصديقه أواب يغطيان تقدم الجيش في تعز على الجبهة الشرقية، حين اتجه أواب لتصوير مبنى مهدم. وتسبب العبوة الناسفة، التي يعتقد داوود أن مقاتلا حوثيا فجرها عن بعد، في سقوط المبنى بالكامل على رأس صديقه، الذي عثر على جثته تحت الركام.

“في هذه اللحظة، صرخت عالياً، وكان صراخاً غير طبيعي”، يقول داوود. “كان لي بمثابة أخ ودود. لم يكن بوسعي أن أرفض له طلبا. كانت المرة الأولى التي أبكي فيها هكذا. بكيت بصوت عال بحيث سمعني الناس في الشارع.

سعادة تتحدث عن واقعه قتل بشعه وقعت امامها ولم تستطيع محوها من ذاكرتها تقول باكيه: «كنت أجلس أنا وجارتي حين سمعنا صوت صافرة ورأيت شيئاً مشتعلاً، قفزتُ أنا وهي وحين وصلنا رأينا ” ابنها رمزي بلا رأس، وابنها الاخر عزام يصيح وقدمه مبتورة وهو ينادي أمه ويقول يا أمي اسعفيني أنا أنزف، طفلتها سيناء كانت منبطحة على وجهها ومصابة في الرقبة، وأحلام جاءت لتساعد في الإنقاذ وفي يدها طفلة عمرها تسعة أشهر، ثم جاءت القذيفة الثالثة ودخلت شظية من ظهر أحلام وخرجت من صدرها، ماتت أحلام وقدم ابنتها بُترت، ذهبت أبحث عن أطفالي ولا أعلم متى جُرحت في يدي وفي قدمي، كنت فقط أركض وأركض أحاول الإنقاذ».

“لقد فقدت الأمل الآن”، تقول نهى. “في البداية كان لدي أمل، إلا أنه بعد كل الذي شاهدته، لقد فقدته، أعتقد الآن أنه في حال كان هناك سلام ليوم واحد، فإنه من الممكن أن ألا أكون هنا لأراه، فكل ما أراه في الوقت الحالي هو الموت”.

“لقد تغير كل شيء هنا”، تقول نهى قيد ( 22 عاماً) التي تعمل في مؤسسة خيرية وقد نشأت في المدينة. ويقع منزل عائلتها في منطقة صلاح التي تعتبر الآن من الخطوط الأمامية للمعارك الدائرة، كما أن عائلتها من ضمن العائلات التي نزحت من المدينة.

“أسوأ شيء يمكن فعله هنا، هو المشي في الطرقات، فهناك مسلحون في كل مكان، والموت في كل مكان، ليس هناك ثقافة، بل موت

حين تقترب من حوادث الموت تسمع صوت المواطن العادي الذي يئن خالياً إلا من وجعه، ورغم هول فاجعته يظل أنينه منخفضاً لا يتمكن من العلو فوق ضجيج الأطراف المتصارعة، التي يدعي كل منها وصلاً بالمواطن العادي.

ضريبة الحقد

وفي غضون ذلك، فإن اليمن عالقة في جمود قاتل. فمحادثات السلام معطلة كما أن آخر هدنة تم التوصل إليها انهارت جراء الخروقات من قبل الجانبين ,لم يترك الحوثيون شيء لتعز الا وفعلوه حصار والغام وقتل واختطاف وقصف وقنص لا يتوقف ,كأنها تدفع ضريبة احقاد متراكمة وتمردها علي الظلام ومعتقدات بالية وسلطة ظالمة ,وثورة كانت اول شرارتها .

أكدت تقارير حقوقية أن آثار حصار مليشيا الحوثيين لمدينة تعز كارثية وذلك على مختلف الأوضاع بما فيها الاجتماعية، إذ ذكر تقرير صادر عن مركز تعز الحقوقي “في منتصف يونيو الماضي “أن معظم الأسر التعزية تعيش حالة من الشتات، حيث تجدها مقسمة على مستوى الأسرة الواحدة بين مناطق سيطرة الحوثي ومناطق سيطرة الشرعية المتقاربة جداً، ورغم ذلك تمر السنوات دون أن يلتقي أفراد الأسرة الواحدة ببعضهما نتيجة حصار جماعة الحوثي الذي مزق أوصال المحافظة وشتت أهلها، وجعل من حركة التنقل في نطاق المديرية الواحدة أشبه برحلة سفر طويلة باهظة التكلفة وفوق ذلك محفوفة بالمخاطر

يقول الناشط في منطقة الأقروض خالد سفيان العامري “يكاد لا يمر يوم واحد دون حادث مروري نشاهده على امتداد هذه الطريق أو نسمع به من شهود عيان”، مشيرا إلى أن متوسط الحوادث الشهرية يتعدى 40 حادث انقلاب سيارات وتعطل شاحنات نقل للبضائع، وليست هناك إحصائية رسمية حول عدد الوفيات نتيجة انقلاب سيارات النقل عبر هذه الطريق، إلا أن العامري يوضح أن عدد الضحايا من المسافرين يصل إلى عشرة أشخاص شهريا، إصاباتهم تتفاوت بين الخفيفة والمتوسطة

وبالطريقة ذاتها تنقل البضائع إلى المدينة عبر منفذ “هيجة العبد” وعرّ يرتبط بمحافظة عدن، ترفض السلطات مراراً إصلاحه على الرغم من أن مُلاك وسائقو “الدينات والقاطرات” يدفعون مبالغ مالية بشكل دوري للسلطة المحلية مع وعود إصلاحه! أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المدينة أكثر من الضعفين، مقارنة بمناطق الحوثيين القريبة.

اسامه التعزي مالك محل بقالة في التحرير يقول” الحصار المفروض من الحوثيين وتكاليف نقل السلع إلى تعز باهظة جداً، كلها أدت إلى ارتفاع الأسعار, انعدام الأعمال تزيد فقر الناس وارتفاع الأسعار تتسبب في موتهم جوعاً.

ارتفعت الأسعار في المحافظة المحاصرة، نتيجة الزيادة الكبيرة في أجور النقل والتوزيع لمختلف المواد الغذائية والاستهلاكية الواصلة إليها. يؤكد فادي الشرعبي، وهو تاجر تجزئة، أن الناقلات التي تحمل البضائع من ميناء الحديدة (غرب)، أو ميناء عدن (جنوب)، كانت تمر قبل الحصار عبر المنفذ الشرقي، ولكنها تضطر اليوم لسلوك المنفذ الجنوبي الغربي الذي يستغرق قطع ساعات طويلة تصل أحياناً إلى أيام، وهو يتطلب ناقلات من نوع خاص تتناسب مع وعورة الطرق الجبلية.

ووفقاً للشرعبي، نتج عن ذلك ارتفاعا كبيرا جداً في أجور النقل، يجري تغطيته بأسعار المواد الغذائية المقدمة للمواطنين الذين يعيش أغلبهم تحت خط الفقر، وهو ما فاقم الأحوال الإنسانية الصعبة.

إلى جانب الغلاء الكبير في الأسعار، وصلت معاناة الحصار إلى غالبية مرضى المحافظة، خصوصاً المصابين بالأمراض المزمنة كالسرطان والفشل الكلوي والسكر وجرحى الحرب وغيرهم.

ويؤكد، نبيل الحمادي، أن الآلاف ممن يسكنون في ريف تعز يتلقون علاجهم في المدينة، كما هو حال شقيقته التي تعاني من فشل كلوي. ولهذا يتعرضون لضرر فادح صحياً ونفسياً، فضلاً عن ظروفهم المادية الصعبة وصعوبة سفرهم المتكرر لساعات طويلة من وإلى المدينة.

صناعة الذعر

الدكتور الصيدلاني محمد سيف (30 عاماً)، أقدم منتصف يوليو الماضي على زيارة أسرته في أحد أرياف تعز وأثناء مروره بنقاط مليشيا الحوثيين تم إنزاله من السيارة التي تقله واقتياده إلى مكان مكتظ بالأشجار الشوكية وهناك خضع لتفتيش دقيق وتم تجريده من بعض ملابسه وتفقد مناطق متفرقة من جسده للتأكد من مدى حمله للسلاح من عدمه.

أضاف “لم تكتف عناصر تلك النقطة بذلك بل فتشت كيس ملابسي وكذلك جوالي والذي عثر فيه على محادثة في الواتساب بها إشارة للحوثيين فتم احتجازي لساعة ولم يفرجوا عني إلا بعد أن دفعت مبلغا ماليا لأفراد النقطة

سافر لقريته كي يحتفل بعرسه الذي اقترب موعده بعيد الأضحى 2021وعند مداخل مدينه تعز ” اوقفته نقطه للمليشيات الحوثية ,طلبت بطاقته من بين كل الركاب وبدأت سيل الاتهامات وسحبه من فوق الباص ,واخذ كل متعلقاته , اختفى الشاب العصامي الذي يعمل بصنعاء في احد المطاعم ليوفر لقمه العيش لأسرته في ارياف تعز واكمال فرحته بالزواج من ابنه عمه.

 وبعد متبعات من اهله عرفوا ان ابنهم في سجن مدينه الصالح ” لكن لا يعرفون ان كان للان على قيد الحياة.

الإعراب عن القلق حيال ما يحدث فيها، ومُطالبات أُممية برفع الحصار، ودعواتٌ لإجراء تحقيقاتٍ بشأنِ الجرائمِ الإنسانية فيها، كلُ هذا لا يتعدى كونهُ مجرد تصريحاتٍ يُقدمها المجتمع الدولي، وفي كل مرة-أيضاً-يتأملُ سُكانُ تعز بأن تتحول هذه التصريحات إلى ترجمة حقيقية على أرضِ الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى