“المحترم” غاياردو.. يعشق “الإحباط” وفتح رأسه “مطلب”

قناة اليمن | متابعات

ملأ الدخان الأحمر الهواء حول ملعب “مونومنتال” في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، أضاءت المشاعل أجزاء من الملعب، انطلقت الألعاب النارية في كل اتجاه، غنى حشد من 72 ألف مشجع في انسجام تام، بينما كان اللاعبون يركضون إلى أرض الملعب.

مثل هذه المشاهد مألوفة في مباريات كرة القدم بأميركا الجنوبية، لكن هذه الليلة في أكتوبر 2022 كانت مختلفة بعض الشيء، المباراة نفسها “ريفر بليت ضد روزاريو سنترال”، كانت مثل عرض جانبي، لأن أنصار ريفر حضروا من أجل الاحتفال مع مدربهم مارسيلو غاياردو في آخر مباراة له بعد ثماني سنوات ونصف، شهدت أرقاما قد لا يستطيع مدرب آخر تحقيقها أبدا.

اشتدت الأجواء عندما ظهر غاياردو من النفق، وسار نحو أرضية الملعب، بكى المشجعون واللاعبون ومساعدوه أيضا، بينما احتفظ غاياردو بمشاعره وسيطر على دموعه وهو يواسي صبي الكرة الذي اغرورقت عيناه بالدموع.

وهتف المشجعون “مونيكو.. مونيكو” إشارة إلى لقب غاياردو “الدمية”، الذي لعب دور البطولة مع فريق ريفر بليت كصانع ألعاب ذي وجه طفولي في أواخر التسعينات، قبل أن يعود لفترتين متتاليتين في وقت لاحق من مسيرته الاحترافية.

لكن غاياردو المدرب، عزز مكانته كرمز ريفر ولا يمكن تعويضه، بين عامي 2014 و2022 قام بتحويل النادي بأكمله، وقاده إلى 14 لقبا، بما في ذلك لقبين في كأس ليبرتادوريس، وأعتبر المدير الفني الأكثر نجاحا في تاريخ النادي الذي يبلغ 122 عاما.

لذلك صنع له ريفر تمثالا عملاقا خارج النادي، ويقول أحد الصحافيين المحليين: إنه بمثابة قديس لكل من يتابع النادي.

ووقع نادي اتحاد جدة يوم السبت عقداً مع المدرب الأرجنتيني ليتولى تدريب الفريق الأول لكرة القدم خلفا للبرتغالي نونو سانتو.

معجبون

يملك غاياردو الكثير من المعجبين خارج الأرجنتين أيضا، على سبيل المثال، يعد الإسباني بيب غوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، من المعجبين به منذ فترة طويلة، إذ قال في 2020: ما فعله مع ريفر لا يصدق، كل عام يتم اختيار ثلاثة مدربين كأفضل مدربين في العالم، ولم يكن بينهم أبدا، لا أستطيع فهم ذلك، يبدو الأمر كما لو أنه لا يوجد شيء آخر في العالم باستثناء أوروبا.

ومنذ مغادرة غاياردو لريفر بليت، تم ربطه بالعديد من الأندية البارزة، بما في ذلك باريس سان جيرمان وتشيلسي وريال مدريد وليدز يونايتد، قبل أن يوقع رسميا مع اتحاد جدة، بعد فترة أمضى فيها الوقت مع عائلته، مستمتعا ببعض الأشياء البسيطة في الحياة.

إلا أنه مؤخرا بدأ يفكر مرة أخرى في كرة القدم، واعترف بأنه سيكون انتقائيا بشأن فريقه المقبل، كما ذكر في مقابلة مع موقع “ذا أثلتيك”: الخطوة التالية في مسيرتي يجب أن تتعلق بالشعور، علي أن أجد الطريق الصحيح، المكان الذي يمكنك من خلاله نقل أفكارك، أنا لست من النوع الذي ينضم إلى أي ناد قديم لأنني أريد التدريب في أوروبا، هذه ليست طريقتي في العمل، أحتاج إلى العثور على مكان يجعلني أشعر بشيء ما، أحتاج إلى الشعور بالهوية، إذا لم أفهم ذلك، فليس لدي أي مشكلة في الاستمرار في ما أفعله الآن “أن يكون عاطلا”.

المشاعر والأفكار والتعرف على الهوية، بعض العناصر الأساسية في عالم المدرب الأرجنتيني، يهتم بأدق تفاصيل اللعبة، ويتحدث بشكل جذاب، ويناقش فلسفته ومهاراته في الإدارة، وما يتطلبه الأمر لمواصلة المضي قدما في مشروعه.

غاياردو ليس ملتزما بنظام معين، في ريفر بليت تغير شكل الفريق ليتناسب مع اللاعبين المتاحين، ويقول أرييل كريستوفالو، صحافي في “أولييه” التي تتخذ من بوينس آيرس مقرا لها: لقد استخدم ثلاثة لاعبين في الدفاع، وأربعة كذلك، ولعب باثنين من صناع اللعب، كذلك بمهاجم واحد واثنين وحتى ثلاثة مهاجمين.

يقول غاياردو: هناك طرق مختلفة للمنافسة، وكلها صالحة، تفضل بعض الفرق الدفاع والاعتماد على المرتدات لأن لديها الأدوات اللازمة للقيام بذلك، هناك فرق تسعى للمبادرة، ثم هناك العديد من الفرق التي تنتظر فقط، أما أنا لا أحب الانتظار، لأنه يصبح شيئا لا أستطيع السيطرة عليه، هناك نفاد الصبر المرتبط بالانتظار لمعرفة ما سيفعله الخصم، هذا يزعجني، أركز على أخذ زمام المبادرة، وأشعر براحة أكبر لكوني الشخصية الرئيسية.

نابليون

بالإضافة إلى لقب مونيكو “الدمية”، أطلق الصحفيون عليه لقب “نابليون” لأنه يتمتع بقدرة عالية على إلهام وإقناع لاعبيه حتى في الظروف الصعبة.

أصبحت مهاراته في الإدارة مادة صحافية، لم تكن هناك فضائح أو أزمات كبيرة داخل غرفة تبديل الملابس خلال السنوات الثماني التي قضاها في ريفر، وهو إنجاز وصف بالرائع بالنظر إلى حجم المشاكل التي تشوب كرة القدم الأرجنتينية، كانت حصصه التدريبية مكثفة، ولم يتردد أبدا في استبعاد اللاعبين الكبار، كان الشعور بأن النادي بأكمله يسير في الاتجاه الذي يريده.

يستطرد دييغو بورينسكي، مؤلف كتابين عن غاياردو: إنه قائد عظيم للمجموعة، إنساني للغاية، يعتني بالمشاكل ويحبه اللاعبون، على الرغم من أنه يضغط عليهم بقوة.

يعزو غاياردو الكثير من نجاحاته إلى كلمة واحدة، الاحترام، ويقول: هذا هو الشيء الوحيد الذي يجب أن يكون، إذا بدأت باحترام، يمكنك فتح الكثير من الأشياء، لقد فزنا وخسرنا طوال تلك السنوات لكننا فعلنا ذلك باحترام.

لذلك، الاحترام هو مفهوم أساسي في فلسفة غاياردو، وأضاف: بعد ترسيخ الاحترام، تأتي الحريات، لقد طلبت الكثير من اللاعبين ولكني أردت أيضا أن يشعروا بالراحة.

حصل على شهادة التدريب في 2010 بينما كان لا يزال يلعب في صفوف آخر ناد له وهو ناسيونال الأوروغوياني، كان غاياردو مهتما بعلم النفس، يرى أن التواصل مع لاعبيه هو نصف المعركة.

ويقول المدرب الجديد لنادي الاتحاد السعودي: لا أعتبر نفسي صديقا للاعبين، ولا أعتبر نفسي مدربا استبداديا أيضا، يجب على المدرب أن يمتلك القليل من كل شيء، يجب أن تكون لديك القليل من الأبوية، وقليلا من المسافة، وقليلا من علم النفس، بعد ذلك يجب أن تكون قادرا على التدريب، التكتيكات والخطط وتوصيل رسالتك بحيث تكون واضحة، والشيء الأساسي هو فهم الناس، عليك أن تفهم الشخص لكي تحصل على أفضل ما لديه كلاعب كرة قدم، أريد أن يفهمني الناس، وإلا فالأمر سيكون صعبا للغاية.

“الفهم” هي كلمة يستخدمها كثيرا، بحسب أحد الصحافيين الذي ذكر: في الواقع، قالها 50 مرة خلال المقابلة التي أجريتها معه، ولعب هذا الفضول لا ينبغي أن يكون مفاجئا، ففي نهاية المطاف، أصبح غاياردو صديقا لعالمة أعصاب قبل أن يتولى مسؤولية تدريب ريفر في يونيو 2014، ثم ضمها لاحقا إلى طاقمه في الفريق.

يوضح غاياردو: تلعب كرة القدم على أرض الواقع، لكن لا يمكنك تجاهل ما يشعر به الشخص، هذا الجانب وتطبيقاته هو ما أثار اهتمامي في التدريب، بعيدا عن الخطط والتكتيكات التي تشكل جزءا من الرياضة، إنه جانب يتعلق بالناحية الإنسانية.

موسوعة

يعتمد أسلوب غاياردو على تجاربه التي مر بها كلاعب، في مسيرته التي شهدت فترات مع موناكو وباريس سان جيرمان، ومشاركته في 44 مباراة دولية مع الأرجنتين.

كان لاعب كرة قدم ماهرا، لكنه كان صغيرا وهشا، للبقاء في الملاعب كان عليه أن يكون ذكيا.

قال أليخاندرو سابيلا، المدرب السابق للأرجنتين، ذات مرة: إذا كنت تريد أن تعرف المزيد عن كرة القدم، فأفتح رأس غاياردو، ستجد موسوعة كرة قدم مصورة.

ويتذكر غاياردو: كنت أعتبر نفسي لاعبا موهوبا ويعاني من عيوب بدنية، أردت أن أرى ما إذا كان بإمكاني التغلب على هذه القيود من خلال اكتساب المعرفة، عبر الاستماع والملاحظة، لقد بدأ الأمر عندما بدأت اسأل لماذا، إنه مشابه لما يفعله الأطفال، أردت أن أفهم الأمور من وجهة نظر أخرى، بعيدا عن البراءة التي كنت أتمتع بها كلاعب كرة قدم، حدث ذلك عندما كان عمري 27 أو 28 عاما، أردت فقط أن أتعلم، لكنني شعرت أن بعض المدربين استهجنوا ذلك.

ساهم اثنان من المدربين في تشكيل أفكاره، الأول هو سابيلا، الشخصية الأبوية، والثاني هو مارسيلو بيلسا، الذي دربه في الأرجنتين من 1998 إلى 2003.

يشعر غاياردو بسعادة غامرة عندما يسأله لاعب عن سبب قيامه بتمرين معين بطريقة معينة، موضحا: أنا أحب ذلك، أحب كلمة لماذا، لأنها تظهر أن الفرد يريد أن يفهم، لا يوجد شيء أفضل للمدرب من أن يكون قادرا على إجراء هذا النوع من الحوار، وذلك الالتزام الإيجابي بفهم أعمق، كما أنها تصبح أداة هائلة.

سبب التقدير

لفهم التقدير الذي يحظى به غاياردو من قبل جماهير ريفر بليت، يجب معرفة كيف كان وضع النادي قبل تعيينه.

قبل ثلاث سنوات من التعاقد معه، هبط ريفر إلى الدرجة الثانية لأول مرة في تاريخه، كانت المرافق قديمة، والوضع المالي غير مستقر، وكانت أرضية ملعب “مونومنتال” أحد أكثر الملاعب التاريخية في الأرجنتين، متهالكة ومهترئة.

أدرك رئيس النادي الجديد حينها الحصول على شخصية لقيادة مشروع طويل الأمد، وهو غاياردو الذي كان عاطلا عن العمل لمدة عامين بعد فوزه بلقب في أوروغواي مع ناسيونال في موسمه الأول في التدريب.

هل كان يتخيل أنه سيصمد كل هذه المدة، يجيب غاياردو: لا، ولكن بعد شهرين من العمل، تمكنا بالفعل من تأسيس مستوى من التعاطف بين المجموعة الأساسية من اللاعبين، أدركت بعدها أنني لم أكن مرتبطا بالنتائج فقط، إذا كان هذا هو النهج، فالأشياء الجيدة يمكن أن تحدث، أنت بحاجة إلى وقت للعمل.

في موسم غاياردو الأول، فاز ريفر بكأس سودأميريكانا – أول لقب دولي للفريق منذ 17 عاما، وبعد مرور عام توج بكأس ليبرتادوريس، وقال رئيس ريفر حينها: أريد أن يصبح غاياردو هو أليكس فيرغسون ريفر.

إلا أن غاياردو عانى من رحيل العديد من اللاعبين، لذلك اعتمد على اللاعبين الكبار من أجل مساعدة الشبان والصفقات الجديدة على التكيف، ما يضمن درجة من التماسك حتى مع رحيل النجوم إلى أوروبا.

اهتم المدرب بكل جانب من جوانب الحياة في ريفر، بدءا من الشبّان وحتى مرافق التدريب، هناك حكايات عن اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة، وقضاء ساعات فراغه في مشاهدة فريق السيدات وحتى فريق ريفر للهوكي، وأصر على أن يتطلع رئيس النادي إلى المستقبل من خلال الاستثمار في الملاعب الجديدة والبنية التحتية.

يقول غاياردو: شغف كرة القدم في أمريكا الجنوبية لا يدوم طويلا، الجماهير تريد الفوز، هذا هو الشيء الوحيد الذي يهتمون به، وكنا بحاجة إلى رؤية مختلفة، كان علينا تعزيز هيكل النادي بما يتماشى مع ما هو مطلوب لتطوير اللاعبين، المزيد من الهيكلة والتنظيم، لحسن الحظ وجدت مجموعة من المدراء التنفيذيين الذي لديهم نفس وجهة النظر، لقد وثقوا بأننا سنخلق شيئا من شأنه أن يجعلنا أقوى، لكن ذلك لا يحدث بين عشية وضحاها، لا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا بقي المدرب في النادي لفترة طويلة.

الإحباط والخوف

يستمتع المدرب الشهير بلعب الغولف، وذكر: الغولف يجعلني محبطا للغاية، لكن التعايش مع ذلك الإحباط يجبرك على مواجهته، أولئك الذين يمارسون الغولف يدركون أنها مثل الحياة، الإحباط جزء يومي من الحياة يعيشه جميع البشر، في كثير من الأحيان نريد أن نكون مواطنين أفضل، والعيش في بلد أفضل وأكثر أمانا، من أجل مجتمع أكثر انسجاما ومساواة، لكن هناك دائما الحفرة التالية، كما هو الحال في الحياة، هناك فرصة للنهوض من جديد بعد الفشل، الحياة تقدم فرصة أخرى، عليك أن تبرز صدرك وتتحملها.

يقول الصحافي كريستوفالو: غاياردو معلم، هناك الكثير من الشماتة في كرة القدم الأرجنتينية، لكنه رأى ما هو أبعد من ذلك، لقد علم الناس أن أهم شيء هو المنافسة، وأن الهزيمة ليست سوى جانب آخر من النصر.

الخطوة التالية

في الفترة القليلة الماضية، اعترف غاياردو أنه بدأ يفكر في العودة إلى العمل بعد رحيله عن ريفر، وأنه لن يقفز في أول فرصة، موضحا: يجب أن أتعرف على نموذج النادي وثقافته، لا يمكنك تجاهل تاريخ المكان الذي ستعمل وستعيش فيه، هذا الجزء مهم بشكل لا يصدق، يجب أن يكون هناك شعور، يجب أن أعرف نوع الرحلة التي سأقوم بها، وبعد ذلك يأتي أمر النتائج، إذا لم تجد شيئا تتطابق معه فسيكون الأمر صعبا للغاية.

لدى غاياردو أربعة أبناء، الابن الأكبر يدعى ناهول، نشأ في صفوف الناشئين في ريفر ويلعب في دوري الدرجة الأولى الكولومبي، يبلغ من العمر 24 عاما، الثاني ماتياس “19 عاما” ظهر مع الفريق الأول لريفر، وأصغر أطفاله بنيامين الذي ولد قبل أربع سنوات، وأعاد تشكيل نظرة والده للحياة.

يقول غاياردو: لقد جعلني أعيد النظر في الكثير من الأشياء.

ومن الواضح أن هذا يعني أن الوظيفة التالية يجب أن تناسب عائلته وكذلك طموحاته، ويضيف: من الممكن ألا أكون مدربا لبقية حياتي، ربما سأقوم بالتدريب لمدة ستة أو سبعة أو ثمانية أعوام أخرى، ربما سأستمتع غدا بشيء جديد يحفزني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى